هذا الدستورله أبعاد سياسية واجتماعية وثقافية، وقد ورد فيه ما يقوي الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات الجماعية والفردية، وهو يستجيب في عمومه لأهم المطالب والمقترحات التي قدمتها الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والشخصيات الوطنية، لدى الاستشارات الواسعة التي قام بها رئيس الجمهورية عبر ممثليه. لذلك أعتقد أن هذا الدستور سيمهد الطريق لتكريس لبنات دولة عصرية يكون فيها المواطن هو الأساس بحقوقه المصانة وواجباته الواضحة.
مشروع الدستور الجديد ينص على إدراج مجلس أعلى لحقوق الإنسان. هل يعني ذلك زوال الهيئة التي ترأسها؟
لا أبدا. لقد تغيرت التسمية فقط، لكن المهام ستبقى نفسها، وهي تقديم الاستشارة حول وضع حقوق الإنسان في الجزائر لصالح رئاسة الجمهورية. دسترة هذا المجلس هو مكسب لنا كحقوقيين لأنه يضمن لنا الحماية ويعطينا الصلاحيات التي تخول لنا تصحيح الاختلالات التي نراها في هذا المجال الحيوي والهام لكل الدول التي تحترم نفسها.
ما هي التدابير الجديدة التي حملها مشروع الدستور على صعيد حماية حقوق المواطنين القضائية؟
لقد ورد في هذا الدستور ما كنا قد طالبنا به مرارا كحقوقيين ومحامين، فهو يعزز من قرينة البراءة التي تحمي كافة حقوق المتهمين قبل الحكم عليهم، كما أنه يعطي حق الاستئناف في أحكام محكمة الجنايات، أي إعادة المحاكمة من جديد، وما هو مسموح به حاليا في هذه القضايا هو الطعن فقط لدى المحكمة العليا التي يمكنها الرفض. بالإضافة إلى ذلك، نص المشروع على أن الحبس الاحتياطي يكون إجراء استثنائيا فقط، والمحامي سيصير محميا في كل مراحل دفاعه عن موكله. كل هذا من شأنه أن يوسع من حريات الأشخاص وكرامتهم وحقوقهم ويكرس استقلالية العدالة.
لكن استقلالية القضاء شعار كان مرفوعا دائما، ومع ذلك يوجه انتقاد دائم للقضاة بأنهم يخضعون للضغوط..
أعتقد أن هذا الدستور، بعد اعتماده، سيكرس المصالحة النهائية بين جهاز العدالة والمتقاضي، بعد أن كان أغلبية المواطنين غير راضين عن القضاء. وسيكون على القضاة امتلاك استقلاليتهم في الميدان بعد أن نص عليها مشروع الدستور الجديد، وجعلهم متحررين تماما من الناحية القانونية والدستورية من كل ضغوط قد تمارس عليهم.
انتقد البعض عدم تنازل الرئيس عن صلاحية تعيين الوزير الأول لصالح الأغلبية البرلمانية. ما رأيك؟
صحيح أن
مشروع الدستور الجديد لا يوجد فيه ما يجبر الرئيس على تعيين الوزير الأول من الأغلبية البرلمانية، إلا أن النص على ضرورة استشارتها يعني أن الرئيس لا يمكنه أن يأتي بوزير أول ليست راضية عنه على الأقل. حاليا يمتلك الرئيس بوتفليقة أغلبية برلمانية مريحة، وقد لا يجد عناء في اختيار الوزير الأول الذي يريد، لكن مستقبلا قد تتغير المعطيات إذا وجد الرئيس القادم نفسه مع أغلبية برلمانية ليست بالضرورة متوافقة مع توجهه السياسي، وفي هذه الحالة يصبح للاستشارة معنى واضح يكون معه اختيار الوزير الأول توافقيا بين الرئيس والأغلبية البرلمانية، لأن الحكومة التي سيعينها الرئيس ستكون مهددة بالإسقاط في حال رفض البرلمان برنامجها.
فتح العهدات الرئاسية في 2008، ثم تحديدها من جديد في دستور 2016. هل تجد ذلك معقولا؟
من الإيجابي جدا تحديد العهدات الرئاسية باثنتين فقط، والنص في الدستور على عدم تغيير هذه المادة مستقبلا. لقد كان فتح العهدات في 2008 لظروف خاصة بسبب رغبة الجزائريين في الاستقرار بعد ما عاشوه من سنوات الدم والدمار، واليوم حان الوقت للعودة إلى المعقول. شخصيا أرى أن 10 سنوات في الحكم كافية لأي رئيس حتى يطبق برنامجه ويترك المجال لغيره في إطار التداول السلمي على السلطة.
هل يمكن للرئيس أن يترشح لعهدة خامسة؟
لا أظن أن الرئيس بوتفليقة سيترشح لعهدة خامسة سواء أباح له الدستور الجديد ذلك أم لا، وذلك لأن وضعه الصحي بات لا يسمح بالإضافة إلى أعباء التقدم في السن. ما أتمناه للرئيس أن يكمل عهدته الحالية بخير وسلام، ويسلم بعد ذلك البلاد إلى رئيس جديد يختاره الشعب بكل سيادة وديمقراطية، ليبدأ عهد التداول على السلطة. ولذلك حرص الرئيس على أن يضمن الدستور الجديد كل ما من شأنه تعزيز حقوق المواطن في اختيار ممثليه على كل المستويات بكل حرية.
كنت قد قدمت اقتراحا مثيرا للجدل بالدعوة إلى استحداث مادة تتيح للجيش التدخل لـ”حماية الجمهورية”. هل لازلت متمسكا بها رغم عدم إدراجها؟
لازلت متمسكا بهذا الاقتراح، حتى وإن لم يؤخذ به في مشروع الدستور الجديد. أعتقد أن مهمة الرئيس يجب أن تكون السهر على تطبيق الدستور حتى لا يكون مجرد حبر على ورق، بينما يكون على عاتق الجيش حراسة هذا الدستور من أي قوة تريد اغتصابه أو انتهاكه. لا يعني ذلك طبعا أنني مع تدخل الجيش في السياسة، لكنني أجد أن حماية النظام الجمهوري تقع في صلب مهام المؤسسة العسكرية حتى تبقى الدولة موحدة ومتماسكة.
تعليقات
إرسال تعليق